وما تزال رصاصة الحب في قلبي ؟
انها
روح واحدة من معادلة الحب الأزلية بين طرفين, لكنها تقف وحدها, طرفا
تائها حائرا صنعه التيه بعد أن فتح فاهه لينقض عليه بأنيابه, ولأن الحب
علاقة ثنائية بين روحين, تذوب كل منهما في الأخري, فإن ذوب الروحين هو
رحيق الحب الذي يستقي منه المحبون, لكن الأمور قد لا تسير علي وتيرة
واحدة, من المشي علي قدمين أو من تعاقب الليل والنهار, لكن يحدث أن
يتوكأ الحب علي عصا الشعور بتبادل الحب بديلا عن المبادلة.. ويصبح الطرف
الثاني من صناعة التخيل وإيجاد الأوهام!!
إن
الحب من طرف واحد, ليل طويل المدي, يرخي سدوله علي ضحاياه, والذين
يحبون ولا يجدون صدي ولا رجعا ولا رنينا لحبهم, تأخذهم صاعقة الدهشة
وتحرق آمالهم في أتون اليأس… والذي لا يجد صدي لحبه يبدو كمن ينطح
الصخر, أو كمن يريد أن يشق بعصاه بحر المجهول, دون جدوى, بل هو لا
يفتأ يصرخ صراخا بلا صدي ولا رجع رنين, وحين يعوزه الصدي أو يفتقد
الرنين يرتطم بصخور اليأس فينشطر أو ينكسر أو يتفتت شظايا تجرح الروح
وتدمي الفؤاد!!هو
يحب.. فيرتد إليه حبه!! يرسله عطرا شذي العبق.. فيرتد إليه نصلا,
شجي الحدة, يطعن أو يذبح أو يغتال الروح!! ومن المدهش أن الذي يحب ولا
يجد لحبه صدي عند حبيبه يدهشه أن حبه يتزايد ويتنامي, ويزداد حريقه لهبا
وألسنة النيران تكاد تلتهمه!! انه يحب مرتين في آن واحد, يحب شخصا كما
ينبغي أن يكون الحب, ويحب مرة ثانية بدلا من حبيبه الذي لا يحب..
فيتحمل ـ يا لعذابه ـ حبين, حبه للآخر, وحب من الآخر له.. والدنيا
من حوله خواء فضاء, وسكون لايمزقه إلا أنين الروح. والحب
ليس علاقة تبادلية, يحب فيها شخص شخصا, فيمنحه ذاك حبه مقابلا!! انه
شعور تلقائي عفوي قد ينشأ في قلبين مرة واحدة أو قد يتأخر أحدهما عن الآخر
قليلا.. هنا يمتزج الدمع بالعطر.. ويتداخل النهار مع الليل, ويتجول
الفرح في جوانب الحزن.. بينما يندس الحزن في ثنايا الفرح!! ثنائيات
حتمية لعلاقة ثنائية في مبتداها وفي منتهاها, تحدث الصوت والصدي..
والحنين والأنين والألم والأمل, لكن يحدث أن يحب شخص شخصا, فيرتد إليه
حبه قبل أن يرتد إليه طرفه, كأنه أطلق صرخة الحب وصيحة الغرام بواد غير
ذي زرع ولا إنسان, والمحبوب لا يدري.. ولو دري فهو لا يقدر.. لأن
مشاعره لا تخضع لسيطرة أو لتوجيه, هو لا يقدر أن يتبادل الحب بإرادته
لأن التبادل عملية عقلية واعية يدركها العقل.. في حين أن الحب شعور
ينبثق مثل نور تنشق عنه السماء في ليلة حالكة السواد!! وقد لا يأبه بمن
يحبه.. وقد يأبه.. لكنه لايملك علي قلبه سلطانا ولا يملك سلطة.. ولو
كان للإنسان علي قلبه سلطة لراجع المحب نفسه عند اليأس.. وتراجع عن
حبه.. لكنه يبقي وهو يهوي حتي يتهاوي وسط ريح عاصفة, يأسا وفتونا بين
انهمار للدموع وانهيار للقلب بين الضلوع!!
ولا
يملك المحبوب من أمر نفسه شيئا.. بل ان منهم من يخفق حتي في( رد
الجميل) فيجد نفسه في صدود وأمام سدود, تحول بينه وبين هذا الذي
يحبه!! بل قد يصل الي حد الرغبة في الابتعاد عنه وفي تجنب لقائه وفي
سماع صوته, لان الاقتراب من هذا الذي يحب يشعر المحبوب بأنه هدف لإطلاق
رصاص الحب عليه دون جدوى.. ويملأه إحساس بتقصير لايملك أن يتفاداه..
وقد يصل الأمر الي حد المطاردة, بين المحب الواجف, والمحبوب
الهارب.. بل إن هذا الهارب قد يقع أسير الكراهية لمن يحبه ويحاول أن
يغتصب قلبه ويعتصب عينيه بعصابة من الاستسلام!!إن
الحب من طرف واحد, محنة مذهلة من محب الحب, والذين لايجدون صدي لحبهم
هم أشد المحبين ابتئاسا ويأسا وألما وعذابا.. وحين يكون المحبوب مدركا
فاهما واعيا لمحنة المحب, فإنه يتعامل معه برفق ويحمله علي كفوف
الإشفاق.. ويتلطف معه.. لكن ذلك كله قد يزيد المحب حبا.. ويضرم في
قلبه نيران الأشواق.. لأنه ـ لظمئه وتعطشه ـ سوف يفسر الإشفاق علي أنه
حب.. ويفسر التلطف علي أنه ميل نحو المبادلة للمشاعر, فيتحمل المحبوب
عبئا لم يقصده, لأنه أراد تهدئة الحريق فاشتعلت فيه النيران!!
ولا
مكان لليأس عند من يحب من طرف واحد, فهو دائما يقف وسط دائرة الأمل
والألم معا.. بل ولا يستطيع ـ مهما أراد أن يتزحزح عن موقعه.. لأنه(
مغروس) في أرض الحب بلا ارادة, كما أن المحبوب( مخلوع) عن أرض
الحب بلا ارادة!!
إن
الحب من طرف واحد, نهر من الدموع لا ينضب, ونهر من الحزن لا يكف عن
التدفق, يصرخ في مجراه وفي مسراه.. ويئن علي الشاطيء وفي المنابع
والمصبات!! إن المحب هنا, غناؤه عويل.. وغذاؤه انتحاب, وسقياه
دموع!! هو بقلبه في كل يوم ينفطر.. وهو بروحه في كل يوم ينشطر.. وهو
بيديه في كل يوم يحتضر!! عذاب يمشي علي قدمين والدمع في عيون القلب بديل
عن العطر.. والشجن يأخذه كل مأخذ!!
نقطة عطر..!!
إن هي إلا
أسماء سميتموها..!! الحب, والغرام, والعشق!! لكني لا أدرك ما عندي
نحوها من مشاعر, هي ليست حبا أو غراما.. كلا.. ولا هي عشقا.. إنما
أدرك أني بغيابها أشعر بانشطار الروح, وانفطار القلب.. واحتجاب
الشمس.. أما صورتها في مخيلتي.. فتغرق القلب بالعطر